الخميس، 17 يناير 2008

تقسيط السيارات.. طوق النجاة القاتل

أصبحت السيارات الفارهة تحقق مبيعات عظيمة مؤخرا مما جعل مصنعو السيارات يتجهون الى انتاج هذه الطرازات من السيارات بحجم انتاج قد يصل الى أضعاف انتاجها السابق ، و يرجع الفضل في زيادة المبيعات بالطبع الى أنظمة الدفع الميسرة مثل التقسيط و التأجير المنتهي بالتمليك مما يؤمن سهولة اقتناء هذا النوع المكلف من السيارات لأكبر عدد ممكن من المستهلكين.لهذا يحتاج الكثير من الناس حتما الى فترة استراحة بين شراء سيارة بنظام الدفع الميسر وأخرى بنفس النظام و إلا غرق المستهلكين في دوامة من الديون اللا متناهية
ان الدفع الميسر نظام عظيم من عدة جوانب فالاقتصاد الوطني في بعض قطاعاته يحتاج إلى الائتمان لتيسير سداد النفقات الباهظة و للهدف نفسه يحتاج المستهلك البسيط الى هذا النظام لتسهيل الحصول على ممتلكات باهظة الأسعار مثل المنزل و السيارة الكبيرة دون الحاجة لدفع الثمن مقدما. صدق أو لا تصدق فان الدفع الميسر هو نظام قديم عرفته المجتمعات على مر الزمن بهدف زيادة المبيعات و تم تطبيقه على جميع المستويات من قديم الأزل.
و لكن المشكلة تظهر عندما يتحول الدفع الميسر من نعمة تتيح للجميع اقتناء أشياء باهظة الثمن دون النظر الى سعرها الأصلي إلى الدخول في دوامة من الديون يدور فيها المستهلك دون أن يدري و هذا ما يحدث بالفعل في العديد من عمليات مبيعات السيارات في مختلف مستوياتها.
كان العميل عموما في الماضي يشتري السيارة ليقتنيها حتى تهلك تماما أو أن تحترق بالكامل ليفكر في شراء سيارة أخرى ، و لكن ما نراه الآن هو تحول كبير في آلية شراء السيارات حيث أصبح العميل ذو الدخل المتوسط يبحث بنوع من الحرية عن السيارات الفخمة أو الرياضية و يقتنيها دون الانتباه لسعرها ، بل يسأل فقط عن قيمة القسط الشهري عند اقتنائها.
بسؤال موظف متوسط الدخل في أحد صالات العرض عند شراء سيارته المترفة كان رده : " طالما كان القسط في الإمكان لن أتردد في اقتناء سيارة بهذه المواصفات" و عادة ما يكون القسط بالإمكان مع ارتفاع فترات التسديد التي قد تصل إلى خمس سنوات بالمملكة والى سبع سنوات في بعض الدول العربية
إذا كان سعر السيارة مرتفعا ، فانه عند تقسيم الكلفة على فترة سداد خمس سنوات قد يبدو بالطبع أمرا ميسرا. و لكن إذا نظرنا إلى المبلغ المدفوع في السيارة بعد انقضاء نصف فترة التقسيط نجد أنه عادة ما يفوق قيمة السيارة نفسها خصوصا أنها تعتبر قديمة نسبيا و لكن مازال تسديد ثمنها مستمرا أو على الأقل مستحقا للسدلد ، و في النهاية بعد الانتهاء من السداد يتم بيع السيارة فورا و استخدام سعرها كدفعة مقدمة لسيارة جديدة بالتقسيط و هكذا تكون قيمة السيارة قد انخفضت بالفعل بنسبة كبيرة عما تم دفعه طوال فترة السداد.
لم يعد سعر السيارة الجديدة يهم المستهلك مثلما يهمه مبلغ القسط الشهري بدليل أنه من المستحيل أن يشتري المستهلك سيارة نقدا بسعر 120 ألف ريال و هو يعلم أن سعرها 90 ألف ريال و أنه أخيرا بعد تسديد كامل قيمتها لن يستطيع بيعها بنصف سعرها الأصلي أو ما يعادل 45 ألف ريال. هناك قاعدة استثمارية تدعو الى عدم الاقتراض للحصول على شيئ تقل قيمته عن القرض و هذا هو الواقع بالنسبة للسيارات نظرا لصعوبة التربح في سيارة أو حتى تحصيل ثمنها الأصلي بعد فترة من شرائها.
عين العقل أن يقرر المستهلك اقتناء سيارة يستمر في دفع أقساطها الشهرية لمدة خمس سنوات و لكن ما يدهش عين العقل أن يقتني أحدا سيارة قليلة العمر - كحال معظم السيارات حاليا – و يبدأ في سداد أقساطها الميسرة بينما يحتاج لتغيير هده السيارة بعد ثلاث سنوات فقط ، أي قبل سداد أقساطها. يجب أن يكون القرار مبنيا على دراسة كلتا الدورتين ؛ دورة تقسيط السيارة و دورة حياتها و إلا كانت النتيجة الغرق في مرار الديون بسبب قلة الحكمة في قرار الشراء.
يجب أن نعلم أن عاقبة اقتناء السيارة مهما ارتفع سعرها قد تكون سيئة طالما كان القرار مبنيا فقط على القسط المناسب لأن هذا يتسبب في انعدام الرضا عن السيارة في وقت يستمر فيه تسديد ثمنها ، و لهدا ينبغي الانتباه عند اختيار الدفع الميسر فقد يكون حلا للخروج من الأزمات أو حلا للتوسع الاقتصادي و لكنه في الحقيقة ليس حلا مثاليا في حالة شراء ممتلكات استهلاكية دون دراسة عمر السلعة بالمقارنة مع فترة السداد.
يتمثل اللغز هنا في منتجي السيارات و موزعيها حيث أنهم من ناحية يبذلون كل الجهود من أجل بيع أضخم أعداد من السيارات ذات الكماليات و المواصفات المرتفعة في حين أنه إذا تغيرت أنظمة التقسيط لتحد من فترات السداد تجد المستهلك قد يستغنى عن الكثير من الكماليات و يكتفي بالقليل لما يتلاءم مع ميزانيته و فترة السداد المحدودة. ما يقلل حدة هذه المغامرة خصوصا على منتجي السيارات و موزعيها أنهم يتقدمون بأنظمة تقسيطية مباشرة مع العملاء دون الحاجة الى التقسيط عن طريق طرف ثالث الذي عادة ما يكون البنك.
من ناحية أخرى رأت بعض المنظمات الواعية في انتاج السيارات أنه من واجبها تبصير عملائها فخصصت برامج و دورات تهتم بأمور التقسيط و التمويل و تم تقديم أفضل الأنظمة التي تلائم شريحة المستهلك ، و قد قدمت كرايسلر ، و تويوتا أولى المبادرات المنظمة في هدا الصدد.
و قد حققت هده البرامج و الدورات التعريفية نتائج رائعة استفادت منها الشركات المنتجة ، شركات التأمين و التمويل ، هذا إلى جانب توفير الوعي التمويلي للمستهلك.
كل هذا لا يعني بأي حال أن نعود للوراء أو نتخلف بالأنظمة التمويلية ، بل يجب أن نعترف بأن نظام الدفع الميسر يعتبر السر وراء ارتفاع مبيعات السيارات بشكل عام و السيارات الفخمة خاصة ، و لكن يبقى على المستهلك أن يحسبها قبل أن يذهب بنفسه لمرار الخسارة.
شادي سكر

ليست هناك تعليقات: